معمارية Vega، يوم لا ينفع الندم!

أخيرا وبعد انتظار طويل، صدرت معمارية Vega في شكلها النهائي.

إن إطلاق معمارية Vega يمثل نهاية سلسلة طويلة من الدعاية المراوغة من قبل AMD، التأجيل والتأجيل ثم التأجيل، والوعود بالعودة بقوة لسوق البطاقات العليا، ثم الاعلان عن تحسينات جذرية في المعمارية اتضح أنها محض أوهام، ثم تجنب الاختبارات المباشرة وعدّ الاطارات fps counters في أكثر من مناسبة، ثم التركيز علي نقاط غير معتادة في الدعاية، ثم الوعد بأن Vega يُمثل المستقبل.

والنتيجة؟ نواة ضخمة، واستهلاك طاقة مخيف، وحرارة هائلة استدعت استخدام تبريد مائي، وتكلفة تصنيع عالية، وذواكر HBM2 باهظة الثمن، وأداء غير ملائم في النهاية.

ماذا حدث؟ وكيف وصلنا لهذه النتيجة المحبطة بعد سنتين من غياب AMD عن سوق البطاقات العليا؟ هل هذا حظ سئ؟ هل هذا سوء تخطيط؟ هل هي مشكلات في دقة التصنيع؟

لسوء الحظ لا هذا ولا ذاك، وانما حصاد ما زرعته AMD طوال الاعوام المنصرمة.

القصة منذ البداية:

ولكي نفهم أكثر دعونا نعود بالوراء، منذ أن ابتاعت شركة AMD شركة ATi. أصدرت الشركة جيل HD2000 بعد الصفقة مباشرة، بمعمارية جديدة كليا سمتها VLIW5، أو معمارية التعليمات الخمسة العريضة .. فكرة المعمارية هي حشو النواة بعدد كبير من أنوية المعالجة cores والاعتماد علي برنامج القيادة Driver لتوزيعها. ولكون عدد الأنوية كبير احتاجت الشركة لعرض تبادل هائل للبيانات وصل الي 512 بت، وباستخدام ذواكر GDDR4 التي كانت جديدة حينها.

حسنا لم تفلح هذه الخطة في التفوق علي عملاق NVIDIA المتمثل في بطاقات 8800Ultra، رغم أن هذه الأخيرة أتت بعدد أقل كثيرا من الأنوية cores وبعرض تبادل أقل: 384 بت، وذواكر GDDR3 فقط! وتكبدت AMD خسارة كبيرة حيث فشلت بطاقتها في اللحاق حتي بمستوي بطاقات NVIDIA المتوسطة.

وهنا انسحبت الشركة من المنافسة علي الفئات العليا، لمدة جيل تال بأكمله (HD3000)، كان من الواضح أن خطة الأنوية الكثيرة والذاكرة الجديدة العريضة لا تتوافر لها الظروف الكافية لنجاحها.

لكن مع توفر دقة تصنيع 55 نانومتر وذواكر  جديدة اكثر قوة GDDR5، قفزت AMD بسرعة اليها، وأصدرت جيل HD 4000، بعدد كبير من أنوية المعالجة أيضا، وبذاوكر GDDR5 عالية السرعة. حدث هذا في وقت تكاسلت فيه NVIDIA عن اللحاق بركب دقات التصنيع الجديدة والذواكر الجديدة. فبطاقات NVIDIA في هذا الجيل (جيل معمارية Tesla) لم تأت الا بذواكر GDDR3 وبعدد قليل من الأنوية أيضا. أقل نوعا من المتوقع بسبب اعتمادها علي دقة تصنيع قديمة (65 نانومتر).

                                                                                           بطاقة HD 4870

في تلك المرحلة من الزمن اقتربت AMD كثيرا من NVIDIA، وتحقق لها نجاح سوقي كبير، فبعد أن كانت لا تنافس أصلا في سوق البطاقات العليا، تمكنت من الالتصاق ببطاقات NVIDIA العليا علي نحو خطر. فبينما كانت بطاقة GTX 285 هي الأسرع، كان المماثل من بطاقات HD4000 خلفها مباشرة، بفارق معقول.

في تلك الحقبة بدا وكأن كل الظروف الملائمة لخطة AMD قد تحققت، الذواكر الجديدة المناسبة تماما، ودقة التصنيع المثالية، وغفول NVIDIA.

لكن لحظة الصدام الكبري اقتربت بسرعة في الجيل الذي يليه .. AMD بخطتها القديمة، أنوية كثيرة جدا، وذواكر GDDR5 ذات سرعة أكبر في صدام مع NVIDIA التي استيقظت فقررت المواجهة بذواكر GDDR5 بعرض كبير (384 بت) وعدد موزون من الأنوية.

ومن جديد حانت لحظة الحقيقة .. من ينجح أكثر، خطة AMD أم خطة NVIDIA؟

وفي تلك الحقبة حالف AMD حظ كبير، أتت معمارية Fermi بمشاكل تصنيعية عديدة، أثرت علي عدد أنويتها، وأثرت علي ترددها، فأتت بطاقة GTX480 بأنوية معطلة، وبترددات ناقصة. وحرارة واستهلاك طاقة كبير للغاية. رغم ذلك فازت البطاقة بعرش الأداء بصعوبة. لكن بطاقات HD5000 من AMD كانت خلفها مباشرة، ليستمر الحال كما هو عليه منذ الجيل السابق. ولتبدو الخطتان وكأنها متعادلتان.

لكن المدقق يعلم أن الخطتين غير متساويتين، وأن احد المتنافسين حالفه الحظ السئ فعطله. هذا الحظ تخلصت منه NVIDIA في غضون شهور لتصدر Fermi بعدد أنويتها الكامل، وتردداتها الاصلية وتستعيد تفوقها النوعي، ويتسع الفارق بينها وبين AMD علي نحو كبير.

بطاقة Fermi GTX 480 تسلق بيضة من فرط حرارتها

حاولت AMD التلائم والمنافسة، فقامت بتقليل عدد أنويتها لصالح زيادة التردد. وبدلا من خطة التعليمات الخمس VLIW5، أصبحت التعليمات الأربع VLIW4. وصدرت بطاقات HD 6000 بهذه الخطة. لكنها لم تفلح، وبقيت Fermi متربعة علي عرش الأداء للجيل الثاني علي التوالي.

وهنا بدا وكأن خطة AMD مصرة علي الفشل، ففي أحسن الأحوال فانها تنتهز فرصة تعثر NVIDIA لتستيقظ.

غيرت AMD الخطة، فبدلا من التعليمات المتعددة، استبدلتها بتعليمة واحدة Scalar فقط .. وزادت من عدد الأنوية بقدر ضئيل. وتحقق لها من خلال هذا اعتماد أقل علي متحكم القيادة Driver، وبالتالي أداء أعلي. ثم استعملت ذواكر GDDR5 ذات سرعة أعلي، وعرض كبير أيضا (384 بت) وأصدرت بطاقات HD 7000، والتي عرفت أيضا بمعمارية GCN.

لكن NVIDIA ردت بطريقة غير متوقعة، قامت الشركة باصدار معمارية Kepler بخطة جديدة تماما، فزادت من عدد الأنوية بمقدار 3 أضعاف وحشرتهم في نواة صغيرة، ووزعتهم بطريقة المسارات المتعددة (وكأنها HyperThreading)، وهي طريقة بها قدر من الاعتماد علي متحكم القيادة Driver ..وأصدرت بطاقات GTX 680، أتت البطاقة بنواة ذات خصائص نواة متوسطة من جيل Fermi، حتي عرض الذاكرة كان متوسطا (256 بت) ..وتوقع الكل أن تكون متواضعة الأداء، لكن اذ بها تتفوق علي أعلي ما لدي AMD من بطاقات!

وبينما تفكر AMD في الرد، فوجئت بصدور بطاقة أخري من NVIDIA، بنواة كبيرة للغاية، وب 5 أضعاف عدد الأنوية في Fermi تقريبا! وبعرض ذاكرة كبير (384 بت) وتردد هائل! بطاقة اكتسحت ساحة الأداء ورفعت عليه علمها بمنتهي القوة. بطاقة اسمها الـ Titan.

ظهور الـ Titan:

كان ظهور الـ Titan مفاجئا وعنيفا في عالم المعالجات الرسومية .. من أين أتت هذه البطاقة، وكيف أصدرتها NVIDIA بهذه السرعة؟ ولماذا تصدر NVIDIA نواتين من ذوي الفئة العليا في جيل واحد؟

والسر يمكن في خطة NVIDIA التي تغيرت علي نحو شامل، فهي لن تحارب AMD بنواة عليا واحدة، بل بنواتين، واحدة متوسطة تهزم بها AMD في جيل معين، وأخري كبيرة تظل في مكانها متربعة علي العرش بمفردها وتشتق منها NVIDIA ما تشاء من بطاقات أقل قليلا (تحديدا بطاقات Ti) .. ثم تنافس بها الجيل التالي من AMD. وهي سياسة تضمن تفوق NVIDIA الدائم واستباق AMD الي عرش الأداء قبل أن يبدأ السباق!

وكأنما تقرأ NVIDIA المستقبل من بللورة سحرية، حاولت AMD الرد في الجيل الثاني من GCN ببطاقة HD 290X والتي جاءت بنواة هائلة الحجم وبعدد مماثل من الأنوية، وبعرض ذاكرة GDDR5 فائق للغاية (512 بت). إلا أنها تلقت هزيمة قاسية من بطاقة Titan الكاملة وشقيقاتها. والتي كانت صادرة منذ ما يقرب من العام ونصف!

وهنا توقف الزمن بـ AMD، ووقفت تفكر لحظة حائرة! ان ما حدث هو مناورة سريعة ماكرة من NVIDIA، فهي تلعب الآن بورقتين لعب رابحتين لا ورقة واحدة، وتلعب بقوة غاشمة، إن AMD تبني أنوية كبيرة مثل NVIDIA، وتحشر فيها عتادا مساويا، ونظام ذاكرة أقوي، ومع ذلك تخسر، بل وتصل متأخرة الي المباراة وتخسر. أي أن الخسارة مضاعفة. لقد أخُذت AMD علي حين غرة بمنتهي القسوة.

لكن بدلا من أن تستفيق الشركة من هزيمتها وتحاول الكرة من جديد بخطة بديلة، توقفت تماما! لترتكب واحدة من أكبر الحماقات التي قد يرتكبها منافس في حلبة القتال. لقد قررت AMD أن بطاقات الرسوميات هي ملعب خاسر، وأن الربح الحقيقي هو في دمج المعالج الرسومي GPU الي جانب المعالج المركزي CPU في شريحة واحدة، ثم نواة واحدة في النهاية.

هي فكرة ليست بالجديدة علي الشركة، فهي دوما تقول أن المستقبل هو الاندماج Future is Fusion .. لكن الشركة لم تأخذها علي محمل الجد قبل تلك اللحظة. ولم لا ومعمارية GCN تلقي رواجا هائلا في سوق منصات الألعاب المنزلية Home Consoles أمثال PS4 و Xbox One.. والشركة تبيع من معالجات GCN الرسومية المدمجة ملايين الأنوية في تلك المنصات.

قررت AMD التوقف عن دعم البطاقات الرسومية المنفصلة بشكل مؤثر، والاكتفاء بتطويرها علي نحو مُخفض .. والتركيز أكثر علي المعالجات الرسومية المدمجة، والتركيز كذلك علي تقنيات المعالجات المركزية CPU.

 

وكان هذا أكبر الأخطاء التي ارتكبتها AMD، كان أكثر القرارات حماقة وتخبطا علي الاطلاق. فقد أتي في أسوأ وقت ممكن.

لقد أتي هذا القرار في وقت حققت فيه NVIDIA ابتكارين تقنيتين هائلين لم يعرف عنهما أحد شيئا حينها، أولهما كان تقنية لضغط بيانات الذاكرة Memory Compression بقوة، بحيث تقلل من متطلبات عرض تبادل الذاكرة Bandwidth بشكل محوري. وثانيهما كان تقنية لضغط البيانات الرسومية وتقليل كمّها Tiled Rasterization، الأمر الذي يسرع من المعالجة الرسومية بما لا يقاس.

ضف هاتين التقنيتين لخطة NVIDIA ذات محوري الهجوم (اصدار نواتين من الفئة العليا)، لتصبح NVIDIA وحشا كاسرا لا يمكن ايقافه.

وقد انقض الوحش بكل شراسة علي سوق البطاقات الرسومية بمعمارية Maxwell التي أتت بمستويات مذهلة من كفاءة استهلاك الطاقة وتردد المعالجة الفائق. بدأت الشركة الهجوم بنواتها الصغيرة التي صدرت في بطاقة GTX 980، وهي التي اكتسحت كل البطاقات العليا من الجيل السابق بلا رحمة. لتظل تلك البطاقات بلا منافس فترة طويلة للغاية. وليخرج من رحم معمارية Maxwell البطاقة الأشهر في تاريخ البطاقات الرسومية المعاصر: GTX 970.

ثم لم تكذب الشركة خبرا وأتبعت ذلك التفوق بصدور العملاق الاخر، بطاقة TitanX. والتي أتت -في حينها- بأكبر عدد أنوية في تاريخ البطاقات الرسومية، وبتردد كبير لذواكر GDDR5 مع عرض 384 بت.

ولنعطيكم فكرة عن التقدم المذهل الذي حققته NVIDIA بفضل تقنيات ضغط المعالجة والذاكرة، نذكر لكم أن بطاقة TitanX لم تأتي الا ب 6% زيادة في عدد الأنوية مقارنة ببطاقة Titan الأولي، وأتت بنفس منظومة الذاكرة، نفس تردد ذواكر GDDR5 ونفس العرض: 384 بت. بل وبنفس استهلاك الطاقة!

لكن فرق الأداء كان هائلا، كانهما بطاقتين من عالمين مختلفين تماما، كان الفرق هائلا لدرجة أن هذا جيل وهذا جيل رغم اتفاقهما التقريبي في المواصفات التقنية. وكان لهذا وقع شهادة التفوق التي تمنح للطالب الجدير، لقد أحسنت NVIDIA صرف أموالها حقا. واستعدت للمعمارية التي تليها، معمارية Volta!

وفي تلك اللحظة أٌسقط في يد AMD، والتي لم تجد مفرا الا باعادة تسمية بطاقاتها القديمة HD 200 الي بطاقات HD 300 لتنافس البطاقات المتوسطة من جيل Maxwell. أما البطاقات العليا فكان لها شأن آخر. شأن بائس للأسف.

ففي ما بدا وكأنه آخر محاولة يائسة لدي AMD التي خفضت انفاقها علي المعالجات الرسومية، قررت الشركة المراهنة بكل ما تملك في محاولة أخيرة.. أملت في أن تعيدها الي الصدارة، فهي الآن لم يعد لديها ما تخسره. صممت AMD نواة Fiji الجديدة بحجم هائل، وحشرت بها عدد غير مسبوق من الأنوية الرسومية cores، بلغ ما يزيد عن الـ4000 نواة (أكثر من TitanX بـ25%). ثم استخدمت طرازا جديدا من الذاكرة عالية السعة HBM لكي يغذي عدد الأنوية الهائل هذا، وأتي هذا الطراز بعرض هائل لتبادل البيانات، بلغ 4096 بت! مما أوصله لسعة تبادل Bandwidth كانت أكبر من TitanX بمقدار 50%! ثم كسرت AMD تردد النواة الي أقصاه، الي الحد الذي استتبع أن تبرد النواة بالتبريد المائي في سابقة لم يكن لها مثيل في عالم البطاقات الرسومية. باختصار صنعت AMD وحشها الخاص الذي لم تصنع مثله من قبل، ولم تصنع NVIDIA مثله من قبل أيضا. وسمت الشركة هذه النواة باسم مٌستحق، سمتها بطاقات FuryX، وكأنها تعبر عن الغضب الذي يعتري AMD من هزائمها الأخيرة. ثم اقتحمت بها رٌحي المعركة.

واهتزت لهذا السجال أركان عالم الرسوميات، بطاقات الغضب FuryX في مواجهة بطاقات الجبابرة TitanX. ولم يكن لأحد أدني شك في أن بطاقات الغضب حملت ترسانة عتادية فاقت بطاقات الجبابرة.

لكن بطاقة الغضب خرجت من السجال خاسرة بمنتهي الفداحة! خسرت رغم تفوقها العتادي الذي لا مثيل له، ورغم تقنياتها الحديثة من ذواكر ومن تبريد مائي، خسرت رغم التكلفة العالية لانتاج أنوية Fury وانتاج ذواكر HBM. خسرت واستهلاك طاقتها كان كبيرا!

خسرت AMD رغم مراهنتها -كالعادة- علي ذواكر HBM المتقدمة لكي تغذي عدد الأنوية الهائل، الا أن تلك الذواكر لم تشفع لها، بل وقصمت ظهرها مرتين، مرة بسبب محدودية مساحتها التي لم تتخطي 4GB، في مقابل 12GB لدي TitanX (أو 6GB لدي شقيقتها Ti). ومرة أخري بسبب تكلفتها العالية. باختصار خسرت AMD هذه المرة علي كل الأصعدة.

والسبب؟ تقنيات الضغط التي ابتكرتها NVIDIA والتي جعلت من TitanX بطاقة لا تقهر، بطاقة تهزم من هو أعلي منها في عدد الأنوية وعرض الذاكرة.

وأمام هذه الهزيمة النكراء لم يكن أمام AMD سوي التراجع للمرة الثانية عن سوق البطاقات العليا، تاركة المجال مفتوحا لـ NVIDIA كي تحكمه بلا منافس لعامين كاملين. لقد دفعت AMD ثمن تراخيها في الانفاق غاليا، ودفعته علي نحو فادح حينما راهنت بكل ما تملك في نزوة غاضبة، كلفتها سوق الرسوميات كله.

وحينما بدا أن سوق البطاقات الرسومية قد استقر وخلا من أي مفاجئات أخري، اذ فوجئ العالم بمعمارية أخري تظهر من العدم: معمارية Pascal! تلك المعمارية التي لم تكن في أي خارطة طريق اعلنت عنها NVIDIA قبل ذلك، وكل ما كان موجودا هو Maxwell ثم Volta!


لم يكن لـ Pascal أي وجود في خارطة طريق NVIDIA

وكان لهذا وقع الصاعقة علي المتخصصين، ان معني ظهور Pascal بهذا الشكل المباغت هو شئ واحد، أن NVIDIA متفوقة للغاية لدرجة أنها صممت Pascal من العدم في التو واللحظة لمجرد أنها أرادت هذا! لقد اكتشف الوسط الرسومي أن NVIDIA كانت تمزح بمعمارية Maxwell مع AMD.. فالشركة لم تقدم أبدا أقصي ما لدي Maxwell، فقد أتي بترددات خجولة مقارنة بما هو ممكن. ورغم أن NVIDIA الآن متفوقة الآن ومتحكمة، لكنها قررت اجراء تحسينات في تقنيات الضغط لدي Maxwell لتصير أقوي وأكثر كفاءة، ثم قررت رفع تردد النواة لأقصاه. واستخدمت ذاكرة جديدة بتردد هائل، وهي GDDR5X. مدججة بأكبر عرض لتبادل البيانات في سوق الرسوميات علي الاطلاق. ثم زادت من عدد أنوية المعالجة الي قرابة الـ4000 أيضا (مثل FuryX) لتخلق واحدة من أفضل المعماريات الرسومية في العصر الحديث. معمارية Pascal، التي توّجت ببطاقة TitanXP الجبارة. وهي بطاقة تربعت علي عرش الأداء -ولا تزال- في يسر وبلا أي منافس لقرابة العام والنصف. في حين سيطرت اخواتها الصغار 1080 و 1080Ti علي سوق البطاقات العليا كله. حدث كل هذا ومعمارية Volta لم تصدر بعد.

وبينما يحدث هذا وقفت AMD تشاهد NVIDIA تنمو وتزدهر بالبطاقات الرسومية المنفصلة، وقفت تندب قرارها الأخرق بتقليل الانفاق علي البطاقات المنفصلة، وقفت تراقب بطاقات NVIDIA وهي تحصد الفوز تلو الفوز في أسواق بطاقات الألعاب، والبطاقات الاحترافية Professional، والحواسيب الخارقة Super Computers، والخوادم Servers، وعملاء الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence، والسيارات ذاتية القيادة Self Driving Cars، وحتي منصات الألعاب المنزلية (منصة Switch). فعلت NVIDIA كل هذا وترعرعت أحوالها بفضل البطاقات المنفصلة حتي صار حجم NVIDIA ومكاسبها أكبر من AMD عدة مرات! وقفت AMD تري هذا كله، لتقرر العودة عن خطأها الفادح، وتعيد الاهتمام بسوق البطاقات الرسومية المنفصلة من جديد، قبل أن تخسر كل شئ.

قررت AMD المفلسة العودة من جديد بمعمارية Vega .. لكنها عودة متأخرة، فالشركة ليس لديها تصميم حقيقي مبتكر ينافس NVIDIA، كل ما فعلته هو تجميع ما لديها من بقايا موارد فعلية، ومحاولة تحسينه.

أخذت الشركة نواة FuryX كما هي ونقحتها لتزيد من ترددها، ثم أضافت عليها تحسينات معمارية، في هيئة تقنيات ضغط أولية للذاكرة وللبيانات . كما استعملت الشركة أيضا الجيل الثاني من الذاكرة الرسومية عالية السعة HBM2.

لابد أنكم الآن تعرفون ما فسد في هذه الخطة.. نواة FuryX القديمة كما هي؟ لكن هذا خطأ، هذا غير ملائم! انها نواة فشلت حتي في الاطاحة بـ TitanX. بل أنها بنفس معمارية GCN القديمة التي صدرت منذ أكثر من ستة سنوات! هذه بدايات خاطئة ببشاعة.

ولكنكم لم تبتعدوا كثيرا عن الحقيقة، وكل ما بدأ بالخطأ ينتهي بالخطأ .. إن معمارية Vega ماتت قبل أن تبدأ بالنسبة الي كل المراقبين التقنيين، إن محاولة احياء ما هو ميت لا تزيد عن كونها امعانا في الفشل والموت .. نواة FuryX كانت ضخمة، فأتت نواة Vega ضخمة، نواة FuryX كانت ذات حرارة وطاقة عاليتين، فورثت عنها Vega كل هذا. نواة FuryX احتاجت تبريدا مائيا، وكذا الأمر مع Vega. نواة FuryX خلت من تقنيات الضغط، ونواة Vega لم تخلو منها، لكنها حملت أجيالا أولي منها أضعف مما لدي Pascal بكثير. وفي النهاية، احتاجت FuryX لذواكر HBM غالية الثمن، وورثت Vega منها نفس الاحتياج.

بل إن احتياج Vega لـ HBM كان أشد، هذا لأن ذلك النوع من الذاكرة يأتي باستهلاك طاقة ضئيل مقارنة بذواكر GDDR5X .. وهو الأمر الذي تحتاجه Vega بشدة نظرا لاستهلاك طاقتها المخيف.

لهذا ولدت نواة Vega ميتة قبل أن تبدأ، حتي ذواكر HBM2 لم تشفع لها. الفكرة قديمة (أنوية كثيرة + ذاكرة جديدة ذات عرض هائل)، وفشلت مرارا قبل ذلك. والمعمارية قديمة (معمارية GCN) وقد فشلت في مناطحة NVIDIA كثيرا قبل ذلك. والنواة التي أٌسس عليها كل شئ قديمة أيضا (نواة FuryX التي كانت السبب في خروج AMD من السباق للمرة الثانية). خبروني بالله عليكم، بل خبروا أنفسكم، كيف يمكن لهذا المزيج أن ينتج منافسا قويا؟ إن هذا المزيج لا يمكن أن ينتج سوي مسخا بشعا يجمع بين استهلاك الطاقة الهائل والأداء الهزيل، والتكلفة العالية، والتبريد المائي من جديد!

إن تقهقر معمارية Vega خلف Pascal وخسارة AMD الفادحة للمرة الثالثة، لأمر رآه الأعمي قبل أن يحدث بمسافة ميلين. كل هذا ومعمارية Volta، -المعمارية الأصلية التي انتوتها NVIDIA- علي الأبواب، قادمة بقوة مبشرة بكل ما هو قوي ومبهر في عالم الرسوميات.

ما يمكن إنقاذه:

إن AMD الآن في وضع لا تحسد عليه، فهي خلف NVIDIA بجيل كامل علي الأقل، (أو جيلين طبقا لتقديرات المتشائمين). ما يجب علي الشركة أن تفعله واضح تماما ولا لبس فيه، أولا: الانفاق ببذخ شديد علي البطاقات الرسومية، وتطوير تقنيات ضغط منافسة، لان التقنيات الحالية لدي AMD لا فائدة لها.

ثانيا: التخلي الكامل والفوري عن معمارية GCN، فهي معمارية قديمة قدم الدهر، وقد وصلت أقصاها بالفعل في نواة FuryX (من حيث عدد الأنوية cores)، والشركة لا تستطيع زيادة عدد الأنوية عن هذا العدد لعدم وجود ذواكر بالقوة الكافية لتغذيها بالبيانات وأيضا لعدم وجود قدرة هندسية لدي المعمارية علي تحمل عدد أكبر من الأنوية وتوزيع البيانات عليها بكفاءة. كما أن ترددات المعمارية منخفضة، ومحاولة زيادتها بالقوة لا تسفر الا عن استهلاك سئ للغاية من الطاقة وخرج حراري شنيع.

الكل يدرك أن سبب تمسك AMD بمعمارية GCN حتي هذه اللحظة هو أنها موجودة في المنصات أيضا، مما يختصر علي الشركة جهدا في تطويع الألعاب ومتحكم القيادة Drivers .. لكن هذا السبب يضر الشركة الآن أكثر مما ينفعها، كما أنه لم ينجح في ايقاف تمدد NVIDIA الرهيب قط. لهذا فالأحري بالشركة التخلي عنه والبدء من جديد.

يمكنكم -مما سبق- رؤية النمطية في أسلوب AMD، أنوية كثيرة، الاعتماد علي ذاكرة جديدة ذات عرض تبادل كبير لتغذي تلك الأنوية الجائعة، ثم اعادة الكرة من جديد .. هذا الأسلوب يجب أن يتغير، لأن حلقة الذاكرة فيه ضعيفة باستمرار، وأي خلل فيها يقلل تنافسية بطاقاتها فورا. كما أن عدد الأنوية الكبير يقلل من قدرة AMD علي المناورة في حال عجزها عن توفيره. وتشغيله بالتردد الملائم. يجب أن تكون AMD رشيقة في تغيير خططها.

اذا ما فعلت AMD هذا فلديها الفرصة في جولة جديدة قد تدخلها باحتمال أكبر للفوز أو حتي البقاء، بدلا من الانسحاق تحت سطوة Volta.

لكن ما نسمعه من الجانب الآخر مقلق، نسمع أن AMD قد تخلت عن سياسة الأنوية الضخمة، وانها تبنت سياسة الأنوية الصغيرة المجمعة في قالب واحد .. وكأنها أنوية معالج مركزي CPU مجمعة. وهي فكرة تبدو علي السطح براقة وموفرة في التكاليف، لكنها مبكرة وغير ناضجة، واذا ما تم تنفيذها علي نحو عاجل دون دراسة وافية فقد تؤدي الي أداء غير متزن، واستهلاك كبير للطاقة.

نرجو أن لا يكون هذا صحيحا، وأن تكون معمارية Navi القادمة صفحة جديدة في تاريخ الشركة العريق ..صفحة ثرية وثمينة، صفحة تخلو من معمارية GCN ومن أثار Vega ومن الأفكار المتسرعة .. فالبدايات الخاطئة تجبل النهايات البائسة، والتاريخ يحب تكرار نهاياته اذا ما تكررت بداياته بحذافيرها، والمرء يحصد ما يزرع، ولقد حصدت AMD ما يكفيها من أخطاء واحباطات الدهر كله!

وكٌل يفٌضي الي ما أقدم.

محمد عبد الحميد

محمد عبد الحميد .. 25 سنة ..
زر الذهاب إلى الأعلى