الإضاءة في الألعاب .. من الماضي الي المستقبل .. الي أين؟

علي العكس من تطور الظلال الذي تحدثنا عنه سابقا ، فان تطور الاضاءة لم يكن خطيا ومتسلسلا مثله .. بل كان متفرعا ومتوازيا علي أكثر من جهة .. لكنه برغم ذلك كان أكثر وضوحا وسلاسة.

يمكن تلخيص تطور الاضاءة في أنها ساحة حرب مفتوحة علي جبهتين ، جبهة الاضاءة التفاعلية Dynamic Lighting ، وجبهة الاضاءة الساطعة High Range .

في البداية ،كانت بيئات الألعاب ترسم باضاءة مطبوعة وثابتة Static Lighting (مثل الظلال الثابتة تماما) ، وكان المطورون يضعون الوان الاضاءة علي البيئة و الأجسام بأنفسهم (عوضا عن المحرك الرسومي) ، ولتخيل الأمر نتصور أن المطور يقوم بطلاء صندوق باللون الأبيض لأنه سيكون تحت الشمس الحارقة ، فاذا تحرك الصندوق ودخل في الظل ، أو اذا ذهبت الشمس ، ظل الصندوق باللون الأبيض لأنه مجرد طلاء ثابت.

وبطبيعة الحال كانت هذه الوسيلة فاشلة ولا تصلح الا مع الأجسام والبيئات الثابتة ، والتي لا تتغير فيها مصادر الاضاءة أو مواقع الأجسام .

Static Lighting
اضاءة وظلال ثابتين Static للبيئة والشخصية، والشخصية تقف في الظل ومع ذلك تظل مضيئة !

ثم حدثت الطفرة مع ابتكار خوارزميات الاضاءة الحسابية .. والتي أتاحت أن يشع أي جسم ضوءا ويسقطه علي ما حوله من أجسام ، فيتأثروا به .. ومكن هذا المطورين من عمل اضاءات تفاعلية حقيقية Dynamic Lighting .

في البداية استخدم المطورين اضواء متغيرة الحال .. لها القدرة أن تنطفئ وتشتعل ، بتحكم من اللاعب أو من مؤثر آخر من البيئة .. وبطبيعة الحال كانت تلك الأضواء تغير من شكل ولون البيئة حولها ، فعندما تشتعل فانها تضئ ما حولها، وعندما تنطفي فانها تظلمه. بعض الألعاب أتاحت للاعب أن يحطم أضواء البيئة ليستطيع التسلل في الظلام.

وبالطبع مكن هذا أيضا المطورين من عمل دورات ليل ونهار حقيقية في ألعابهم.

ثم أتاح المطورون للاعبين أن يحملوا اضواءا معهم ، مثل المصباح المحمول (الكشاف) ، أو شعلة أو ما يماثلهما (كمصابيح السيارات أو المروحيات) .. وتسقط تلك الأشياء ضوءها علي البيئة مضيئة اياها. (كل ذلك كان مستحيلا بالطبع أيام الاضاءة الثابتة).

Torch Lighting

اضاءة المشاعل ..

تلا تلك الخطوات تعيين العديد من المؤثرات كمصادر للضوء ، مثل مؤثرات النار (مثل قطعة من الخشب المحترق) ، ومؤثرات الكهرباء ، مثل الشرر الكهربي والصواعق ، ومؤثرات دفقات الطاقة ، مثل أشعة الليزر والبلازما .. وكل هذه الأشياء أصبحت تشع ضوءا ينير ما حولها من اشياء.

Electricity Lighting
اضاءة الصواعق الكهربية ..

Fire Lighting
اضاءة النيران ..

انتقل المطورون بعد ذلك الي مرحلة أكثر دقة ، وهي اتاحة أن تكون الاشتباكات مصدرا للعشرات من الأنوار ، فبدأوا بوهج الأسلحة والبنادق والمدافع Muzzle Flashes .. واعطوا لها القدرة علي بث الضوء علي ما حولها .. كذا الأمر مع الانفجارات Explosions ، و القذائف Projectiles مثل الصواريخ والأسهم المشتعلة وكرات الطاقة .. الخ.

Explosionsاضاءة الانفجارات .. الي اليمين بدونها ، والي اليسار بها ..

Muzzle Flashاضاءة وهج الأسلحة .. انظر كيف تؤثر علي السلاح ويد صاحبه والوحش ..

Projectiles Lighting
اضاءة القذائف ، والقذيقة هنا تضئ كل ماحولها في طريقها الي الهدف ..

 

بل إنهم اتاحوا ان يعامل الرصاص كمصدر للضوء الناتج من احتكاكه بالمعادن والحوائط .. الاحتكاك الذي يولد شررا وضوءا ينير ما حوله.

Bullet Impact Lightingاضاءة احتكاك الرصاص بالأرضية المعدنية ، لاحظ انعكاس الضوء علي الأرضية والحائط ..

وأخيرا ، وصل المطورون الي قمة دعم الاضاءة التفاعلية ، باتاحتهم أن يعامل كل جسيم من جسيمات الشرر أو اللهب أو دفقات الطاقة أو الحطام المشتعل كمصدر مستقل للضوء ، ينير أي شئ حوله .. سمي هذا باسم اضاءة الجسيمات الدقيقة Particle Lighting.

Paticle Lighting
اضاءة الجسيمات ، والشرر هنا يعمل كمصدر ضوء مستقل .. الي درجة أنه يعكس ضوءا صغيرا علي الباب الي اليسار

فتح هذا الباب أيضا أمام تأثر جسيمات الدخان بالأضواء المارة خلالها أو حولها Smoke Lighting ، الأمر الذي كان غير ممكنا من قبل ، لكنه أصبح متاحا الآن .. والدخان مثلا يصير متوهجا اذا ما خالطه مصدر ضوء بداخله كشعلة نار أو ما شابهها.

Alan Wake Smoke Lighting
اضاءة الدخان ، لاحظ كيف  اكتسب الدخان لونين مختلفين بحسب قربه وبعده عن مصدر الضوء (الشعلة) ..

وبوصول المطورين الي هذه المحطة ، فانهم يكونوا قد وصلوا الي ذروة سنام الاضاءات التفاعلية ، ولم يعد هناك المزيد مما يمكن تحقيقه في هذا المجال ، ربما سوي مضاعفة أعداد تلك المصادر أكثر وأكثر.

لكن كل هذا كان جبهة واحدة من الصراع مع الاضاءة ، الجبهة الأخري كانت جبهة الاضاءات الساطعة ، والتي كانت غير ممكنة عمليا أو حسابيا علي العتاد القديم .. وكانت اضاءة الشمس والأفق مثلا غير واقعية وتفتقد خصائص التوهج والسطوع ، افتقدت المعادن أيضا اللمعان الساطع.

مع تطور العتاد ، وزيادة عرض معالجاته واحكامه الحسابي ، أصبح كل هذا ممكنا ، وهنا تولدت اضاءة التراوح الكبير للسطوع High Dynamic Range .. والتي مكنت كل الأجسام والأماكن من التوهج والسطوع بما يفوق ما كان ممكنا من قبل أضعافا مضاعفة .. واتاح هذا محاكاة واقعية للسماء والشمس والأضواء الصناعية .

HDR

الاضاءة الساطعة HDR

تلا ذلك تمكن المطورين من رسم أشعة الضوء وهي تنفذ من خلال الثغرات وحول حواف الأجسام والدخان والتراب ..الخ ، لتضئ ما ورائهم أو حولهم .. سميت هذه الاضاءة ، اضاءة الأشعة النافذة Light Shafts أو الاضاءة المجسمة Volumetric Lighting اشتقاقا من وسيلة رسم تلك الأشعة التي اعتمدت علي معاملة الضوء ككتلة ذات حجم حقيقي تتفاعل مع الأجسام.

Light Shafts

أشعة الضوء النافذة Light Shafts / الاضاءة المجسمة Volumetric Lighting

ثم تلا ذلك مباشرة محاكاة توهج الأضواء الصناعية والطبيعية في مواجهة العين .. وسمي هذا باسم وهج العدسات Lens Flare.

HDR

توهج الاضاءة أمام العدسات والعيون Lens Flare ..

وبوصول المطورين الي تحقيق هذه المؤثرات الثلاثة : سطوع الاضاءة ، والأشعة النافذة ووهج العدسات يكونون قد حققوا كل ما يمكن تحقيقه في جبهة الاضاءة الساطعة .. ولم يعد هناك المزيد .

1 2 3الصفحة التالية

محمد عبد الحميد

محمد عبد الحميد .. 25 سنة ..
زر الذهاب إلى الأعلى